حديث رقم 2361 - من كتاب تهذيب الآثار للطبري - مسند عبدالله بن عباس

نص الحديث

2361 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْقُومَسِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ ابْنِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَاذَا يَرْجُو الْجَارُ مِنْ جَارِهِ ، إِذَا لَمْ يُرْفِقْهُ بِأَطْرَافِ خَشَبَةٍ فِي جِدَارِهِ الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنَ الْفِقْهِ وَالَّذِي فِي ذَلِكَ مِنْهُ ، الْبَيَانُ الْبَيِّنُ عَنْ قَضَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْقَوْمِ ، إِذَا هُمُ ادَّارَأُوا فِي مَبْلَغِ سَعَةِ الطَّرِيقِ الَّذِي يُرِيدُونَ رَفْعَهُ بَيْنَهُمْ ، إِذَا هُمُ اخْتَطُّوا خُطَّةَ ، أَوِ اقْتَسَمُوا أَرْضًا هِيَ بَيْنَهُمْ مِلْكٌ ، أَنَّ ذَلِكَ سَبْعُ أَذْرُعٍ ، إِذْ كَانَ فِي قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ سَعَةِ الطَّرِيقِ الْكِفَايَةُ لِمَدْخَلِ الْأَحْمَالِ وَالْأَثْقَالِ وَمَخْرَجِهِا ، وَمَدْخَلِ الرُّكْبَانِ وَالرِّجَالِ ، وَلِمَطْرَحِ مَا لَا بُّدَ مِنْ طَرَحِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى طَرَحِهِ مِنْ طِينٍ وَغَيْرِهِ ، إِلَى حِينَ رَفْعِهِ لِتَطْيِينِ السِّطُوحِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجِدُ النَّاسُ بُدًّا مِنَ الِارْتِفَاقِ مِنْ أَجْلِهِ بِطُرُقِهِمْ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : أَفَتَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ لَازِمٌ ، وَفَرْضٌ عَلَى الْحُكَّامِ وَاجِبٌ أَنْ يَقْضُوا بِهِ بَيْنَهُمْ ، لَا يَجُوزُ لَهُمْ خِلَافُهُ ، أَمْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ ، وَالنَّاسُ فِي الْعَمَلِ بِهِ مُخَيَّرُونَ . قِيلَ : ذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى الْإِيجَابِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا عَنَاهُ مِنَ الطَّرِيقِ ، عَلَى الْحُكَّامِ الْقَضَاءُ بِهِ إِذَا احْتَكَمَ إِلَيْهِمْ فِيهِ الْمُحْتَكِمُونَ ، وَعَلَى النَّاسِ إِذَا أَرَادُوا أَنَّ يَبْنُوا فَتَنَازَعُوا فِي قَدْرِ مَا يَرْفَعُونَ بَيْنَهُمْ مِنْ عَرْضِ الطَّرِيقِ الْعَمَلُ بِهِ . فَإِنْ قَالَ : وَمَا الَّذِي عَنَى بِهِ مِنَ الطُّرُقِ ، وَكَانَ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْتَ بِهِ فِيهِ وَاجِبًا عَلَى مَا وَصَفْتَ دُونَ غَيْرِهِ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ الطَّرِيقُ الَّذِي اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ بَيْنَهُمْ مُحْيُو أَرْضٍ مِنْ مَوَتَانِ الْأَرْضِ ، أَوْ مُقْتَسِمُو أَرْضٍ هِيَ بَيْنَهُمْ شَرِكَةٌ ، لَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِمْ فِي رَفْعِ الطَّرِيقِ الَّذِي مَبْلَغُ ذَرْعِهِ سَبْعُ أَذْرُعٍ ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ، فَدَعَا بِعَضُهُمْ شُرَكَاءَهُ إِلَى رَفْعِ طَرِيقٍ سَعَتُهُ قَدْرُ ذَلِكَ ، وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ رَفَعِ قَدْرِ ذَلِكَ ، مَعَ اجْتِمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى رَفْعِ طَرِيقٍ بَيْنَهُمْ لِمَسَاكِنِهِمْ أَوْ أَرَاضِيهِمْ ، أَوْ دَعَا بَعْضُهُمْ إِلَى رَفْعِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ ، وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ إِلَّا مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، وَفِي رَفْعِ الْعَرْضِ الَّذِي مَبْلَغُ ذَرْعِهِ عَرْضًا سَبْعُ أَذْرُعٍ لِجَمِيعِهِمْ ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ، وَلَا حَيْفَ ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْحَاكِمِ إِذَا احْتَكَمُوا إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، أَنْ يَقْضِي بِمَا قُلْنَا بَيْنَهُمْ ، وَعَلَى الْبَانِينَ إِذَا تَنَازَعُوا فِي الَّذِي يَجْعَلُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ، أَنْ يَعْمَلُوا بِهِ . فَإِنْ قَالَ : وَمَا الدَّلِيلُ أَنُّ ذَلِكَ مِنَ الطَّرِيقِ ، هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطُّرُقِ ، فَاجْعَلُوهَا سَبْعَ أَذْرُعٍ . قِيلَ : الدَّلِيلُ قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ دَارًا أَوْ أَرْضًا شَرِكَةً بَيْنَ قَوْمٍ أَرَادُوا اقْتِسَامَهَا بَيْنَهُمْ ، وَكَانَ مِنْهُمُ الْقَلِيلُ النَّصِيبِ مِنْهَا ، الَّذِي إِذَا أُخِذَ مِنْ نَصِيبِهِ لِلطَّرِيقِ الَّذِي يَكُونُ سَبْعَ أَذْرُعٍ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ ، لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ لِطَرِيقٍ ذَرْعُهُ أَقَلُّ مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ ، انْتَفَعَ بِمَا يَبْقَى مِنْ نَصِيبِهِ بِقَدْرِ مَا يُرْفَعُ مِنْهُ لِلطَّرِيقِ الَّذِي يَكُونُ ذَرَعُهُ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ ، وَكَانَ لَهُ بِذَلِكَ مَسْكَنٌ وَمَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ ، أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ حُكْمًا فِي نَصِيبِهِ مِنْ رَفْعِ الطَّرِيقِ لَهُ مَعَ سَائِرِ مُقَاسِمِيهِ مَا يُبْطِلُ حَقَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ ، وَمَا يَضْمَنُ بِهِ رَفْعَهُ مِنْهُ لِلطَّرِيقِ الَّذِي عَرْضُهُ سَبْعُ أَذْرِعٍ . وَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا عُنِيَ بِهِ مَا لَا مَضَرَّةَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي رَفْعِهِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ مِنَ الطَّرِيقِ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ . فَأَمَّا مَا كَانَ فِي قَدْرِ رَفْعِ ذَلِكَ مَضَرَّةٌ عَلَى بَعْضِهِمْ أَوْ عَلَى جَمِيعِهِمْ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مَعْنَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَالَّذِي وَصَفْنَا ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطُّرُقِ ، فَاجْعَلُوهَا سَبْعَ أَذْرُعٍ ، وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ عَامًّا ، أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ خَاصٌّ مِنَ الطَّرِيقِ دُونَ جَمِيعًا ، وَذَلِكَ هُوَ مَا قُلْنَاهُ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ قَالَ لَنَا : فَهَذَا الْبَيَانُ عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ ، فَاجْعَلُوهَا سَبْعَ أَذْرُعٍ ، فَقَدْ فَهِمْنَاهُ وَأَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ بَعْضُ الطُّرُقِ دُونَ جَمِيعِهَا ، وَأَنَّ مَخْرَجَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعُمُومِ ، فَإِنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْخُصُوصُ ، وَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، فِيمَا عَنَاهُ ، وَأَمَرَ بِهِ عَلَى الْإِيجَابِ لَا عَلَى النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ ، فَمَا قَوْلُكَ فِي قَوْلِهِ : وَإِذَا بَنَى أَحَدُكُمْ بِنَاءً ، فَلْيَدْعَمْهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ ، وَفِي قَوْلِهِ : لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ ، عَلَى الْإِيجَابِ ذَلِكَ أَمْ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ ؟ . فَإِنْ قُلْتَ : ذَلِكَ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ ، فَمَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ : الْبَانِي أَوْ جَارُهُ ؟ فَإِنْ قُلْتَ : الْبَانِي فَارَقْتَ مَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ ، إِذْ كَانَ لَا أَحَدَ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَلَا مِنْ خَلَفِهَا يَزْعُمُ أَنَّ عَلَى مَنْ بَنَى بِنَاءً أَنْ يَدْعَمَ بِنَاءَهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهُ ، كَانَتْ بِهِ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةً أَمْ لَمْ تَكُنْ بِهِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ فَرْضًا ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ، كَانَ بِتَرْكِهِ فِعْلُ ذَلِكَ ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفًا ، وَبِرَبِّهِ آثِمًا . وَإِنْ قُلْتَ : ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ . قِيلَ لَكَ : وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْتَ مِمَّنْ يَقُولُ : إِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ إِذَا وَرَدَ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ ذِكْرُهُ - أَوْ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَدِينَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ، غَيْرُ سَائِغٍ لَكَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِالْبَيَانِ أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ لِمَا فِي عَقْلٍ أَوْ خَبَرٍ ، وَهَذَا خَبَرَانِ وَارِدٌ أَحَدُهُمَا بِالْأَمْرِ وَالْآخَرُ بِالنَّهْيِ . قِيلَ لَهُ : أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ خَارِجٌ مَعْنَاهُ مِنْ كِلَا الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتَ ، وَأَمَّا الْآخَرُ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ خَارِجٌ مَعْنَاهُ مَخْرَجَ النَّهْيِ ، بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِخِلَافِهِ الَّذِي هُوَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ ، وَأَمَّا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ مِنْ كِلَا وَجْهَيِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ إِيجَابٌ وَإِلْزَامٌ أَوْ نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ ، فَالْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ بَنَى بِنَاءً ، فَلْيَدْعَمْهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ خَارِجٌ مِنْ كِلَا الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ ، وَلَكِنَّهُ أَمْرُ إِذْنٍ وَإِطْلَاقٍ مُضَمَّنٌ بِشَرْطٍ ، كَقَوْلِ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } ، وَكَقَوْلِهِ : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي ظَاهِرُهُ أَمْرٌ ، وَمَعْنَاهُ الْإِبَاحَةُ وَالْإِطْلَاقُ ، غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ : فَلْيَدْعَمْهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ مُضَمَّنٌ بِشَرْطٍ وَهُوَ : إِنْ أَذِنَ فِي الدَّعْمِ عَلَيْهِ رَبُّ الْحَائِطِ ، لَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلْبَانِي ، رَضِيَ رَبُّ الْحَائِطِ دَعْمَهُ عَلَى حَائِطِهِ أَوْ سَخِطَهُ وَأَمَّا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ مَخْرَجُ النَّهْيِ ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ الَّذِي هُوَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَجْعَلَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرُ نَهْيًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّ الْحَائِطِ عَنْ مَنَعِ الْجَارِ مِنْ وَضَعِ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِهِ ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ : لِيَأْذَنَ أَحَدُكُمْ لِجَارِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ : وَمَا الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْتَ ، فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا بَنَى أَحَدُكُمْ بِنَاءً ، فَلْيَدْعَمْهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ ، أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ ، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُضَمَّنٌ بِشَرْطٍ ؟ فَإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْبَانِيَ إِنْ مَنَعَهُ جَارُهُ مِنْ حَمْلِ خَشَبَةٍ عَلَى حَائِطِهِ أَوْ أَطْلَقَ ذَلَِكَ لَهُ فَلَمْ يَدْعَمْهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحْرَجُ بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ إِنْ دَعِمَهُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ ، أَنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسِبٍ بِذَلِكَ حَمْدًا ، وَلَا أَجْرًا ، كَانَ مَعْلُومًا بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ، أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْإِيجَابِ ، وَالْإِلْزَامِ مِنْ مَعْنَى النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ ، لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَأَمْرِ رَسُولِهِ فَرْضًا ، فَالْعَامِلُ بِهِ لِلَّهُ مُطِيعٌ ، وَالْعَامِلُ بِمَا هُوَ لِلَّهِ طَاعَةٌ مَأْجُورٌ ، وَأَنَّ الْعَامِلَ بِمَا هُوَ إِلَيْهِ مَنْدُوبٌ ، مَحْمُودٌ عَلَى فِعْلِهِ مَأْجُورٌ ، وَإِذْ كَانَ خَارِجًا مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ ، فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْنَى الْأَمْرِ ، الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْحَتْمِ ، وَالتَّكْوِينِ ، أَشَدَّ خُرُوجًا ، وَإِذَا صَحَّ خُرُوجَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي ، صَحَّ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ يُعْقَلُ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ عَلَى مَا وَصَفْتَ . قِيلَ : وَأَمَّا الْبُرْهَانُ عَلَى أَنَّهُ مُضَمَّنٌ بِشَرْطٍ ، وَهُوَ إِنْ أَذِنَ لَهُ جَارُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ، وَذَلِكَ لَقِيَامِ الْحُجَّةِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذَنِ مَالِكِهِ ، وَغَيْرُ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ بِانْتِفَاعِهِ ، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ ، فِي خُطْبَتِهِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، وَلِنَقْلِ الْأُمَّةِ وِرَاثَةً عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ الِانْتِفَاعُ بِظَهْرِ دَابَّةِ جَارِهِ ، أَوْ حَمْلِ عِدْلٍ مِنْ مَتَاعٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ ، بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَهُ بِذَلِكَ ، وَغَيْرِ رِضَاهُ وَطِيبِ نَفْسِهِ ، فَكَذَلِكَ حَمْلُ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِهِ ، وَدَعْمِ بِنَائِهِ عَلَى حَائِطِهِ . وَأَمَّا الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ ، وَأَنَّهُ بِمَعْنَى النَّدْبِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ إِلَى إِرْفَاقِ جَارِهُ مَوْضِعَ خَشَبَةٍ لَهُ مِنْ جِدَارِهِ يَضَعُهَا عَلَيْهِ ، الْخَبَرُ الْوَارِدُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : مَاذَا يَرْجُو الْجَارُ مِنْ جَارِهِ ، إِذَا لَمْ يُرْفِقْهُ بِأَطْرَافِ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِهِ ، فَدَلَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَنَّ إِرْفَاقَ الرَّجُلِ جَارَهُ بِحَمْلِ أَطْرَافِ خَشَبَتِهِ عَلَى جِدَارِهِ ، مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَجَمِيلِ أَفْعَالِهِمْ ، لَا أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَاجِبٌ لَهُ عَلَيْهِ ، يُقْضَى لَهُ بِهِ عَلَيْهِ إِنِ امْتَنَعَ مِنْ إِرْفَاقِهِ بِهِ . فَإِنْ قَالَ : فَهَلْ مِنْ بُرْهَانٍ هُوَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا ؟ قِيلَ لَهُ : الْبَرَاهِينُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ، وَفِيمَا ذَكَرْتُ مُسْتَغْنًى عَنْ غَيْرِهِ ، غَيْرَ أَنَّا نَزِيدُ فِيهِ ، وَهُوَ نَقْلُ الْحُجَّةِ وِرَاثَةً عَنْ نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ لَا يُقْضَى لِأَحَدٍ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ ، وَإِيجَابُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ الْقَضَاءَ عَلَى الرَّجُلِ بِإِرْفَاقِ جَارِهِ بِمَوَاضِعِ أَطْرَافِ خَشَبَةٍ مِنْ جِدَارِهِ ، أَحَبَّ ذَلِكَ الْمَقْضِيُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ سَخِطَهُ ، إِيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْحَاكِمِ بِمَا هُوَ غَيْرُ حَقٍّ لَهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ بِذَلِكَ عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ تَدَّعِي عَلَى الْحُجَّةِ نَقْلَ ذَلِكَ وِرَاثَةً عَنْ نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ *

اختر أحد أحاديث التخريج لعرضه هنا

اختر طريقة التخريج المناسبة لك :
التخريج
418467 - 754 ~ الخرائطي في مكارم الأخلاق - بَابُ مَا جَاءَ فِي حِفْظِ الْجَارِ وَحُسْنِ مُجَاوَرَتِهِ مِنَ الْفَضْلِ - حديث رقم 242